مرونة الاقتصاد العالمي- تحدي الرسوم الجمركية والنمو المستمر

المؤلف: ترجمة: جنى الدهيشي08.16.2025
مرونة الاقتصاد العالمي- تحدي الرسوم الجمركية والنمو المستمر

على الرغم من تصاعد الرسوم الجمركية عالميًا بشكل غير مسبوق هذا العام، أظهر الاقتصاد العالمي "صلابة لافتة"، كما أفادت "وول ستريت جورنال".

في ظل حالة الضبابية العميقة التي فرضتها التهديدات الأمريكية بفرض رسوم باهظة على الشركاء التجاريين، وما أعقبها من ردود فعل مماثلة، أذهلت الشركات والعائلات الخبراء الاقتصاديين بقدرتها على التكيف والتحوط، حيث ابتكرت حلولًا لتجاوز هذه العقبات بانتظار انكشاف مصير الرسوم.

بينما عمدت الشركات إلى تحويل مسار البضائع المتجهة إلى الولايات المتحدة نحو دول وسيطة ذات رسوم أقل، حافظت الأسر والشركات على مستويات الإنفاق والاستثمار على الرغم من الغموض الذي يكتنف المشهد التجاري.

سجل الاقتصاد العالمي نموًا بنسبة 2.4% على أساس سنوي في النصف الأول من العام الحالي، وهو رقم يقارب المتوسط طويل الأجل، وفقًا لتقديرات بنك "جيه بي مورجان".

تشهد أحجام التجارة العالمية أيضًا ازدهارًا ملحوظًا، في الوقت الذي استعادت فيه أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا مستويات قياسية، وارتفعت توقعات النمو في كل من أوروبا وآسيا.

وظلت الاستثمارات، والتوظيف في القطاع الصناعي، وكذلك الإنفاق والأنشطة الاقتصادية، ثابتة على نطاق عالمي، بحسب بيانات "جولدمان ساكس".

كيف تمكنت الشركات والعائلات من إيجاد طريقها وسط تعقيدات الرسوم الجمركية؟

يشير الخبير الاقتصادي ماركوس نولاند من معهد "بيترسون" إلى أن المشكلة لم تكمن فقط في الرسوم نفسها، بل في عدم القدرة على توقعها، وفي التدابير الاحترازية التي اتخذتها الشركات.

فقد ساهمت الخبرات التي اكتسبتها الشركات في تعزيز سلاسل الإمداد خلال جائحة كورونا في مواجهة التحديات الراهنة بكفاءة أكبر.

كما لعب الإنفاق الحكومي الكبير، من الولايات المتحدة إلى ألمانيا، دورًا حيويًا في تعزيز الثقة في الأسواق.

أوضح أنجيل تالافيرا، الخبير الاقتصادي في شركة أكسفورد إيكونوميكس، أن بعض الشركات تقوم حاليًا بتخزين منتجاتها استعدادًا لارتفاع محتمل في الرسوم الجمركية مستقبلًا.

في المقابل، ترى إيزابيل شنابل، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، أن "تأثير حالة عدم اليقين على النشاط الاقتصادي يبدو أقل حدة مما كنا نتصور"، كما صرحت في مقابلة حديثة.

من جانب آخر، دفعت التحولات السياسية المعارضة للعولمة، والتي بدأت منذ حوالي عقد من الزمن، العديد من الشركات إلى الاعتماد بشكل أكبر على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجات الأسواق الرئيسية. وجاءت الرسوم الحالية لتؤكد على أهمية هذا التوجه.

مؤشرات إضافية على مرونة الاقتصادات في مواجهة الرسوم

أظهرت بيانات منظمة التجارة العالمية نموًا في التجارة العالمية بنسبة 5.3% في الربع الأول من العام الحالي على أساس سنوي، مدفوعًا بزيادة الواردات إلى أمريكا الشمالية.

في أوروبا، سجلت مؤشرات الطلبات الجديدة والتصدير والإنتاج المستقبلي ارتفاعًا ملحوظًا إلى أعلى مستوى في ثلاث سنوات، مما يشير إلى أن هذا النشاط ليس مجرد نتيجة للتوريد المسبق.

وعلى الرغم من فرض رسوم بنسبة 25% على قطاع السيارات الأوروبي، استمر الإنتاج دون انخفاض كبير، وفقًا لتقديرات محللي شركة كابيتال إيكونوميكس.

الصين، الخصم التجاري الرئيسي للرئيس الأمريكي السابق ترمب، لم تتأثر بشكل مدمر باضطرابات الرسوم الجمركية في الأشهر الأخيرة كما كان متوقعًا.

بينما انخفضت صادرات الصين المباشرة إلى الولايات المتحدة بنسبة 10% في الأشهر الخمسة الأولى من العام، عوضت ذلك بنمو الصادرات إلى آسيا وأوروبا وأفريقيا، مما أدى إلى ارتفاع إجمالي الصادرات بنسبة 6%.

يشير خبراء الاقتصاد إلى أن جزءًا من هذه الزيادة يعود إلى إعادة توجيه الشحنات الصينية عبر دول مثل فيتنام وتايلاند والمكسيك.

وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، ارتفعت الواردات من جنوب شرق آسيا بنسبة 28%، ومن آسيا ككل بنسبة 10%، في الفترة نفسها، على الرغم من انخفاض حجم التجارة مع الصين.

أما في الولايات المتحدة، فلا يزال صافي ثروة الأسر مرتفعًا مقارنة بمستويات الدخل، مما يمنح المستهلكين القدرة على مواصلة الإنفاق رغم ارتفاع الأسعار، بحسب تصريحات سوزان كولينز، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن.

احتمال تراجع التجارة لا يزال قائمًا

بينما أتاحت هذه المرونة لبعض المصدرين تحميل المستهلكين جزءًا من تكاليف الرسوم دون التأثير سلبًا على المبيعات، لا يزال من الوارد أن تشهد التجارة تباطؤًا في الأشهر المقبلة، مع تراجع الطلب بعد موجة الطلبات المسبقة لتجنب الرسوم.

ويبدو أن استقرار الاقتصاد العالمي قد شجع إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترمب على فرض رسوم جمركية أعلى، مما قد يؤدي إلى صدمة مؤجلة، وفقًا لرؤية نولاند، الذي قارن الوضع بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأثيره التراكمي على الاقتصاد البريطاني.

يرى الخبراء أن مستوى الرسوم هو الذي سيحدد حجم التأثير الحقيقي، فبينما قد يكون فرض رسوم بنسبة 10% محتملًا، فإن فرض رسوم بنسبة 30% أو 50% قد يؤدي إلى تجميد التجارة، وهو الأمر الذي حذرت منه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة